عادة ما قابلونا وهم بقمصانهم البرتقالية عبر الطرقات وتقشعر أبدان الكل بعد المغامرة التي يقتحمها عمال (أسروت) التابعون لقطاع الصيانة وتطهير الطرقات، جمعتهم تلك المهنة الصعبة على طول الطرقات وخاضوها بكل عزم فالحاجة تولد العزيمة لدى الفئات المستضعفة، يعملون بكل تفان وإخلاص، فخدمة الوطن هي من بين أهدافهم الأولى فهم يشقّون الطريق ويغامرون بحياتهم في سبيل جلب لقمة العيش وكذلك في سبيل تيسير وتسهيل حياة الناس في جوانب شتى·
نسيمة خباجة
الأولون في كل مكان، هم عمال (أسروت)، فحتى للتكفل بالأشغال التي تفرزها عمليات الترحيل، نجدهم أمامنا دون أن نشعر بمعاناتهم، وكذلك على مستوى الأشغال بالطرق السريعة، وفي كل مكان، وما إن نلمح ذاك القميص البرتقالي حتى نتيقن أن الشخص ينتمي إلى عمال أسروت·
لكن يا ترى هل تقابل تلك الواجبات حقوق أو حتى وضع آليات لحماية هؤلاء من الأخطار المتربصة بهم على مستوى الطرقات بحكم أنها مكانهم الطبيعي للعمل؟، بحيث عادة ما نجدهم وهم يلوحون بأياديهم وبشتى الوسائل للسيارات من أجل التنبيه والسماح لهم بالعبور كحل اتخذوه هؤلاء بطريقة عفوية ويكون مآلهم الموت الحتمي في حال هفوة بسيطة من أصحاب السيارات وفي غفلة منهم، بحيث يحتمل عدم مشاهدتهم عبر الطريق فتكون الكارثة·
إلا أننا نجدهم مجندين ليل نهار من أجل القيام بأشغالهم أو بالأحرى أعمالهم الشاقة التي تخصصت فيها تلك الفئة، إذ نجدهم الأولين في عمليات الترميم والتهديم، فهم على علاقة مباشرة بحمل وتكسير الحجر عبر الشاحنات، بحيث أن أعباءهم المتراكمة تستلزم مكافأتهم بالذهب في آخر الشهر، إلا أن أغلب العاملين بقطاع أسروت يشتكون ضعف الأجور التي لا تكفيهم في تغطية متطلبات أسرهم والتي لا تكافئ البتة ما يقدمونه من جهود مضنية خلال ساعات العمل، وفي الكثير من المرات تضاف لهم ساعات إضافية بصفة إلزامية·
اقتربنا من بعضهم على مستوى الطرقات واحترنا لمجابهتهم الأخطار على مستواها في ظل انعدام ظروف العمل اللائقة ومخاطر تعرضهم إلى حوادث مرور مميتة لاسيما وأن أغلب أعمالهم تكون متعلقة بالحفر، بحيث نشاهدهم في مناظر يندى لها الجبين وكانت حالتهم مشابهة تماما لأطفال بيع المطلوع على مستوى حواف الطرقات السريعة، مما يؤكد أن طرقاتنا السريعة صارت فضاء واسعا للعديد من المناظر المفزعة·
قال أحدهم وهو كهل يمتهن الحرفة منذ عام وعوزه هو من دفعه إلى امتهان تلك الحرفة التي يرى أنها محمّلة بالأخطار خصوصا على مستوى الطرق السريعة وسط السيارات، إذ قال إنه في مرات استوجب عليه التلويح باستعمال بعض القطع القماشية بارزة اللون على غرار اللحاف الأبيض من أجل قطع الطريق بما يحكمه العمل، وأقرّ أن حرفتهم تحمل العديد من المخاطر وتغيب فيها بعض الحقوق وللأسف من دون احتساب الخطورة التي تهدد عامل أسروت في أي مجال سواء الترميم أو التهديم أو حتى الأشغال على مستوى الطرق السريعة·
أما شاب آخر يعمل في نفس المجال ولمدة ثلاث سنوات فقال إنهم كثيرا ما سلموا من الموت بقدرة الله تعالى بسبب الأخطار التي تهددهم أثناء ممارسة مهامهم عبر الطرق السريعة أو في العمارات وفي غيرها من المجالات الأخرى وتصب في مجملها تحت وعاء الأشغال الشاقة التي ترتبط بالمخاطر الكثيرة المحتملة، وقال إنه في مرة وأثناء القيام بعملية التهديم التي باشرها بعد الترحيل أوشك على السقوط من شرفة عمارة لولا لطف الله· وأكد الخطورة التي تتربص بغيره من العمال على مستوى الطرق السريعة خاصة التي لا تتوفر فيها التدابير الوقائية ويجبر العامل على توفير الحماية لنفسه بنفسه من أجل ضمان سلامته التي تبقى عملة نادرة على مستوى الطريق السريع·
